أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 يناير 2017

المرحلة الثالثة: مرحلة المراهقة


تسمى هذه المرحلة عادة ب “الميلاد الثاني”؛ نظرا لما يحدث فيها من تغيرات كبيرة تشمل كافة المجالات الخاصة بالنمو، وتكون هذه التغيرات ليست فقط كمية أي تزيد بعض المهارات أو الخصائص في الدرجة، ولكنها أيضا تغيرات كيفية، فتظهر خصائص وسمات مختلفة عما اعتدنا رؤيته في المراحل السابقة وذلك كما سنرى في مجالات النمو المختلفة:
أولا – النمو الجسمي:
ويشمل على التالي:
1 – النمو الفسيولوجي والبدني:
بالنسبة للجسم في المراهقة فإن ما يحدث من تغيرات فيه يطلق عليها “انفجار النمو” حيث تتغير ملامح الجسم بصورة كاملة، ويحدث مع البلوغ أربعة تغيرات جسمية مهمة تشمل:
– حجم الجسم.
– نسب أعضاء الجسم.
– نمو الخصائص الجنسية الأولية.
– نمو الخصائص الجنسية الثانوية.
وتأتي التغيرات في حجم الجسم في الطول والوزن. وأكبر زيادة في الطول تحدث قبيل البلوغ، ويزداد الوزن المتكون من الدهون وزيادة أنسجة العظام والعضلات.
ويصاحب التغيرَ في حجم الجسم، تغيرٌ في نسب الحجم فتصل معظم أجزاء الجسم إلى حجمها الذي سوف تثبت عليه كالأنف والفم واليدين والقدمين.
2 – الفروق بين الجنسين على المستوى البدني:
تظهر بوضوح الفروق بين الجنسين في شكل الجسم؛ وهو ما قد يضيف نوعًا من مشاعر الخجل والرفض.
ومع التقدم في البلوغ تتضح أكثر الفروق بين الفتى والفتاة، وذلك نتيجة لنمو الخصائص الجنسية الثانوية؛ فيظهر شعر العانة ثم شعر الإبط والوجه ثم شعر الجسم لدى الذكور كذلك يظهر تغير في الصوت ولكنه تغير لا يثبت كثيرًا.
وفي الإناث تزداد الأرداف وينمو الصدر ويزداد الصوت نعومة.
ثانيًا: النمو الإدراكي والعقلي:
يظهر في هذه المرحلة استخدام التفكير الذي يسمى بالتفكير باستخدام العمليات الصورية أو الشكلية العمليات الرسمية، وهو ما يمكنه من التعامل مع العموميات المجردة من حوله كمفاهيم الحرية والعدالة.
ولا يقتصر تفكيره في هذه المرحلة على السمات الخارجية للأشياء، بل يستطيع أيضًا إدراك السمات والخصائص الداخلية للأشياء.
ويبدأ في التفكير على مستوى النظرية بدلاً من الاقتصار على حدود الحقائق الملاحظة والواقع الظاهري للموقف، ويمكنه نمو التفكير المجرد لديه في هذه المرحلة من التمييز بين الأمور الحقيقية الواقعية التي تأتي له بها الحواس وبين الافتراضية.
وتتميز هذه المرحلة بالتفكير التعميمي، وهو ما يتفق مع الأفكار المجردة لديه.
وينمو لديه مفهوم الزمن، والقدرة على إدراك المستقبل ووضع أهداف طويلة المدى؛ فيذهب المراهق بتفكيره إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المستقبل.
ويطور المراهق في هذه المرحلة من العمر إستراتيجياتٍ وطرقًا مختلفة للاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة بحيث يمكنه استدعاؤها والاستفادة منها. فيعتمد على نوع من الترميز ليميز بعض المعلومات عن غيرها.
ثالثًا: النمو الاجتماعي:
يعد تحقيق التوافق الاجتماعي أحد أهم مطالب النمو في مرحلة المراهقة، وتلعب الخبرات السابقة التي مر بها المراهق في فترات عمره السابقة دورًا كبيرًا في قدرته على تحقيق هذا التكييف والتوافق المنشود.
وفي هذه المرحلة تأخذ جماعة الأقران الجانب الأكبر من اهتمام المراهق التي يعتبرها المراهق الجماعة المرجعية بالنسبة له؛ فهو يقيم سلوكه تبعًا لقواعد هذه الجماعة وما يسود داخلها من قيم تحدد طرق التعامل مع المواقف المختلفة.
وتظهر للمراهق شلة أو جماعة جديدة، وعلى الرغم من كبر حجم المجموعة في كثير من الأحيان فإن المراهق عادة ما يأخذ له صديقًا يعتبره المقرب بالنسبة له، وعادة ما تكون له الخصائص نفسها ويكون من الجنس نفسه.
ويظهر في سلوك المراهق ما يدل على رغبته في تقمص دور أحد الكبار الذي يعتبره قدوة أو مثلاً، ولكنه قد لا يعترف بذلك صراحة، بل يأخذ منه بعض السلوكيات التي يعتبرها دليلاً على تشابهه معه، كالتدخين مثلاً.
كذلك فإن حياة المراهق وعلاقاته الاجتماعية واهتماماته تبدأ في التحول نحو الجنس الآخر، بعد أن كان رافضًا له في المرحلة السابقة، وهو ما يدفعه إلى الاهتمام بملبسه ومظهره الخارجي، بل إنه قد يبالغ في ذلك كما أنه في سبيل لفت نظر الجنس الآخر قد يبالغ في التصرفات التي يعتبرها نوعًا من الاستقلال مما يوقعه في صراعات مع الوالدين.
وتظهر لدى المراهق أحاسيس مرهفة وميل للإخلاص في العطاء والمشاركة في تقديم الخدمات، فتظهر لديه الميول الاجتماعية والمشاركة في النشاط المدرسي، كذلك تظهر لديه الميول السياسية والاهتمام بها، أو الميول الأدبية؛ فيبدأ في التعبير الدؤوب عن هذه الاهتمامات، وفي محاولته الالتزام بقواعد جماعته المرجعية التي ينتمي لها (الشلة أو الجماعة) أو الأقران فإنه يميل إلى التأثر بهم على مستوى الملبس، فيبدأ في ارتداء ملابس غريبة غير مألوفة، وذلك حتى يحصل على مشروعية القبول من الجماعة التي ينتمي لها.
رابعًا: النمو الخلقي والقيمي:
يظهر لدى المراهق حالة مختلفة عن المرحلة السابقة فيما يتعلق بالقيم والأخلاقيات؛ فهو غير مستعد لقبول العادات والأخلاقيات دون مناقشة؛ لذا يجب أن نسمح له بمناقشة القيم لفرضها عليه حتى يتمكن من تطبيقها حتى في حالة عدم وجودنا.
أما الدين كبُعدٍ موجِّه للسلوك، فإنه يمر في هذه المرحلة بفترة يقظة كبيرة فيبدأ على المستوى العقلي بفحص بعض الأفكار الدينية، ونقدها ومحاولة فهم الأبعاد التي تقع خلفها.
غير أن ذلك النقد والتفكير لا يعطل الأداء، فيبدو أكثر جدية في الممارسة الخاصة بالعبادات باعتباره أصبح مسؤولا عن العبادات ومكلفا بها.
ويعتمد نجاح المراهق في التعامل مع القيم الأخلاقية والدينية في هذه المرحلة على الأساس الذي يتم وضعه من خلال الأسرة والمدرسة في المراحل السابقة.
فإن كان لديه نظام قوي وثابت دخل به هذه المرحلة فإن ذلك سوف يكفل له مرورًا ناجحًا من تلك المرحلة وصراعاتها.
خامسًا: الحاجات النفسية للمراهقة:
وتشمل ما يلي:
1 – الحاجة لبلوغ الكمال:
ففي هذه المرحلة يسعى المراهق سعيًا حثيثًا للوصول إلى الكمال في كل شيء، ونتيجة لأنه يضع لنفسه معايير أخلاقية مرتفعة يصعب الوصول إليها فهو كثيرًا ما يشعر بالذنب والإثم، ذلك الذي يجعله دائمًا في حالة صراع بين الفعل واللافعل.
وهنا علينا أن نساعده على وضع قيم معقولة وتدريبه على الوسطية، وعلى تقبل القصور في بعض الجوانب وإخباره بأن ذلك ليس لكونه مقصرًا، ولكن لأن الأفراد عادة لا يبلغون الكمال في كافة الجوانب.
2 – الحاجة للقبول من الجنس الآخر:
وهو ما يجعله يبالغ في الاهتمام بمظهره وإظهار بعض الممارسات التي يرفضها الأهل ويعتبرونها عصيانًا وتمردًا على طاعة ما يضعونه له من قيم وقواعد.
ولا بد هنا من تفهم ذلك ومساعدته على التركيز على عوامل أخرى أعمق من الشكل الخارجي وذلك عن طريق تدعيم خصائصه الأخرى.
3 – الحاجة إلى إثبات الذات وتوكيدها:
حيث يحارب المراهق في كل لحظة من أجل إثبات صحة آرائه ويتمسك بها لدرجة التعصب، ويعتبر أي نقد لفكرة من أفكاره هو نقد له شخصيًّا، وكذلك يحتاج منا الأمر إلى تدريبه على الانفصال عن الفكرة، والمرونة في التعامل مع الأفكار والانتماءات المختلفة بحيث يتمكن من إحداث التوافق الفعال مع الآخرين.
الخلاصة:
بعد أن عرضنا للمراحل التي يمر بها الطفل من بداية حياته وحتى مرحلة المراهقة يتضح لنا مدى الاختلاف والتنوع الذي يشمل كافة جوانب ومجالات الحياة لدى الطفل …
ولكل مرحلة ما يناسبها من التعامل، وما يناسبها من طرق لإكساب المهارات والقيم والمتطلبات التي يفرضها المجتمع الذي يعيش فيه هذا الطفل …
فبينما في مرحلة نعتمد على التعلم بالنموذج أو ما يسمى بالنمذجة التي يعتمد فيها الطفل على تقليد نموذج أو قدوة، نعتمد في مراحل أخرى على توصيل مدى استيعابنا له وللمرحلة التي يمر بها واختلافه عن الآخرين. ونسعى لإكسابه السلوك عن طريق التعلم بالمشاركة بأن يشاركنا الموقف ويشاهد ما يحدث فيه.
الأمر نفسه تقريبًا ينطبق على وسائل تعديل ما يظهر من سلوك غير مرغوب لدى هذا الطفل، فبعد معرفتنا بما يجب أن يكون لدى الطفل في كل مرحلة والمهارات التي يتقنها ويستطيع أن يظهرها يمكن لنا أن نتفهم أن بعض السلوكيات مثلا يفعلها لأنه لم يتمكن بعد بحكم المرحلة الطبيعية للنمو التي يمر بها، أو أنها ضمن ملامح هذه المرحلة مثل مواقف وسلوكيات التمرد التي تظهر لدى المراهق؛ فهي من طبيعة المرحلة العمرية لدى الجميع، وتعد من بين المؤشرات الطبيعية التي تظهر بشكل تلقائي حتى يستطيع الطفل التعبير عن نفسه وعن رفض أي شيء يفرض عليه رغبة منه في وضع بصمة خاصة به تعبر عن فرديته وهويته الخاصة.
كما أنها تساعدنا في تحديد الوسيلة الأنسب للتعديل، فبينما يمكن أن نعتمد على المكافأة المادية للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة لتعديل سلوكه وتأتي بنتائج رائعة لأنها تعبر عن شيء محسوس وملموس يستطيع إدراكه، فإن طفل الطفولة المتأخرة يميل للتأييد والمكافأة اللفظية والتشجيع المعنوي، لأنه بدأ يدرك معنى وقيمة هذه الأمور ويعرف أنها تعبر عن تقدير البيئة له وتقبلها لسلوكه.
لذلك وجب على الأسرة ومن يتعاملون مع الأطفال ويرغبون في الحكم على سلوكياتهم أن يكونوا ملمين بمراحل النمو وخصائص كل مرحلة تفصيليًّا، فكما سنرى لاحقًا أن تعديل السلوك أشمل وأعم من مجرد تعديل سلوك غير مرغوب، بل تشمل أيضًا مساعدة الطفل على إظهار ما لديه من قدرات تكونت بفعل النمو وتحتاج إلى تدريب وتفعيل حتى تظهر في المواقف المناسبة.
فالطفل عند سن الرابعة بحكم النمو يستطيع أن يمسك بالقلم ويكتب، فهو أمر طبيعي يكتسبه بحكم النمو، ولكنه بالطبع لن يستطيع أن يكتب إلا لو دربناه على ذلك وسعينا إلى إكسابه مهارة الكتابة لتصبح سلوكًا ظاهرًا يستخدمه في المواقف المناسبة.

جيب شورت كروشيه بالخطوات