سوء التغذية: حالة طوارئ مستترة
لسوء التغذية اشكال متعددة:
الطفل الذي لم يصل الى الطول الكامل بسبب الفقر، وسوء النظام الصحي، عدم تلقي الرضاعة الطبيعية ومحدودية فرص الحصول على الأطعمة المغذية.
الامهات اللواتي يصبن بفقر الدم أثناء الحمل ويلدن أطفالا يعانون من نقص الوزن ويؤدي بهم هذا إلى تأخر في النمو في وقت لاحق.
الأطفال اللذين يصابون بالعمى بسبب نقص فيتامين "أ".
الأطفال اللذين يصابون بالسمنة بسبب الإفراط في إنخفاض جودة الأغذية.
الأطفال الذين يعانون من النحول والهزول ممن هم معرضون لخطر الوفاة.
ويمكن أن يعزى ما يقرب من نصف مجموع وفيات الأطفال دون سن الخامسة من العمر إلى نقص التغذية، وهذا يعني خسارة غير مبررة لحوالي 3 ملايين طفل سنويا.
فجزء صغير فقط من هؤلاء الأطفال يموتون في ظروف كارثية مثل المجاعات أو الحروب. وفي معظم الحالات، تكون يد سوء التغذية القاتلة أسوء أثرا من تلك الأسباب: فهي تعيق نمو الأطفال وتحرمهم من الفيتامينات والمعادن الأساسية، وتجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
فسوء التغذية هو إنتهاك لحق الطفل في البقاء والنمو- وغالبا ما تبقى نتائجه مستترة حتى فوات الأوان.
سوء التغذية أكثر من مجرد نقص في الغذاء، فهو يضم مجموعة من العوامل: نقص البروتين والطاقة والعناصر الغذائية الدقيقة، الإلتهابات أو الأمراض المتكررة، سوء الرعاية الصحية والممارسات الغذائية، وعدم كفاية الخدمات الصحية والمياه، بالإضافة إلى سوء نظام الصرف الصحي. إن نقص أو عدم كفاية الرضاعة الطبيعية فقط تتسبب وحدها في ما يقرب من 12 في المائة من مجموع وفيات الأطفال دون سن الخامسة. 1
يؤدي سوء التغذية المزمن في وقت مبكر من الحياة إلى توقف النمو، مما يحرم أجسام الأطفال وعقولهم من النمو والوصول إلى قدراتها وإمكاناتها الكاملة. فالأضرار الناجمة عن وقف النمو أو إعاقته لا يمكن تفاديها ولها عواقب بعيدة المدى تتراوح ما بين تدني الأداء المدرسي إلى إنخفاض التحصيل المستقبلي. وعلى الصعيد العالمي، يعاني 159 مليون طفل دون سن الخامسة من عدم إكتمال النمو، حيث غالبا ما يكون هؤلاء اطفالا لأشد الأسر فقرا في العالم مما يجعل عدم إكتمال النمو "التقزم" علامة رئيسية للفقر وعدم المساواة.
فالهزال الشديد الذي يؤثر على الجلد والعظام يكون ناتجا عن سوء التغذية الحاد ويشكل تهديدا مباشرا للبقاء، حيث توفي في عام 2014 50 مليون طفل تحت سن الخامسة بالإضافة الى 16 مليون طفل كانوا يعانون من الهزال الحاد.
التهديدات الثلاث الناشئة عن سوء التغذية
في الوقت الذي لا يزال يعاني فيه الأطفال في جميع أنحاء العالم من تأخر النمو "التقزم" والهزال، تتغير جهود مواجهة سوء التغذية بسرعة. فالإفراط في الغذاء - بما في ذلك السمنة وزيادة الوزن – هي في إرتفاع في كل بلد تقريبا في العالم.
حوالي 41 طفلا في العالم يعانون من البدانة. كما تعاني العديد من الدول الآن الأعباء الثلاث المتداخلة لكل من سوء التغذية وإنخفاض التغذية ونقص المواد الغذائية الدقيقة من جهة، وزيادة الوزن والبدانة من جهة أخرى.
فهذه المشكلات لا تقع على طرفي نقيض ما بين الجوع والبدانة: فالواقع أكثر تعقيدا بكثير. ففي الواقع يتواجد نقص وفرط التغذية في كثير من الأحيان داخل البلد الواحد، والمجتمع الواحد، وحتى داخل نفس الفرد. فالأطفال الذين يعانون نقصا في النمو "التقزم"، على سبيل المثال، يواجهون خطر الإصابة بالسمنة في سن البلوغ بشكل أكبر.
فأسباب نقص التغذية والسمنة وزيادة الوزن متشابهة ومتشابكة. فعوامل مثل الفقر وإنعدام فرص الحصول على الوجبات الغذائية الكافية، ورداءة وسوء ممارسات تغذية الأطفال الصغار والرضع، وتسويق وبيع الأغذية والمشروبات غير الصحية يمكن أن تؤدي جميعها إلى نقص التغذية وكذلك زيادة الوزن والسمنة.
أسس التغذية الجيدة
يمكن أن نستخدم نفس النهج في الوقاية من نقص التغذية وزيادة الوزن. حيث يمكن لمجموعة رئيسية من التدخلات المجربة والمختبرة، ولا سيما عملية تحسين أول ألف يوم من حياة الطفل، أن تحدث فرقا كبيرا.
تشمل أسس التغذية الجيدة تحسين تغذية الأمهات قبل وأثناء وبعد الحمل، وتشجيع ودعم الرضاعة الطبيعية طيلة الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل واستمرار الرضاعة الطبيعية حتى سن عامين أو بعد ذلك؛ وتوفير الأغذية التكميلية الآمنة والملائمة وعالية الجودة؛ وتوفير المواد الغذائية المناسبة.
وفي كل من الحالات الطارئة وحالات النمو، تساعد برامج اليونيسف على بناء أسس التغذية السليمة ومنع وعلاج سوء التغذية بجميع أشكاله.
التغذية من أجل التنمية المستدامة
تضع التغذية الجيدة الأساس السليم للمجتمعات والدول الصحية، وتساعدها على الازدهار والإنتاج. فالأطفال اللذين يتلقون التغذية الجيدة، يتمتعون بصحة ومناعة أفضل، كما أن أداءهم يتحسن في المدرسة. ومع نمو هؤلاء الأطفال، يصبحون أكثر قدرة على المشاركة والمساهمة في مجتمعاتهم. ففوائد التغذية الجيدة تنتقل من جيل لآخر وتلازم مختلف جوانب تنمية وتطور المجتمع.
والآن أصبح هناك إدراك أفضل لفائدة التغذية وأنها أحد أسس التنمية المستدامة من أي وقت مضى. حيث ينص الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة لعام 2015 تحديدا على: "إنهاء الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي وتشجيع وتعزيز الزراعة المستدامة".
ولكن التغذية الجيدة هي أكثر من مجرد القضاء على الجوع: بل هي أيضا أمر حيوي لتحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الفقر، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان حياة صحية، وتشجيع التعلم مدى الحياة، وتحسين النمو الاقتصادي، وبناء مجتمعات شاملة، وضمان الإستهلاك المستدام.
ومن الأمثلة الهامة على ذلك: تساعد الرضاعة الطبيعية في تجنب الوفاة وأمراض الطفولة والأمراض غير المعدية، بينما تدعم نمو العقل وتحمي صحة الأم. كما أنها مستدامة بيئيا وتحد من عدم المساواة بوصولها للفئات التي تعتبر فرصتها في الوصول للخدمات الصحية محدودة.
تحويل صورة التغذية
لقد تغيرت الصورة العالمية للتغذية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. فالدول تدرك أهمية التغذية في تعزيز المجتمعات وتغيير حياة الأطفال وأسرهم - حتى في أفقر الأماكن وأكثرها هشاشة.
وقد كانت اليونيسف في طليعة هذا التحول، حيث تعمل على قيادة الجهود العالمية ودعم البلدان في توسيع نطاق برامج التغذية للأمهات وأطفالهن، مع التركيز على الوصول إلى السكان الأكثر ضعفا وتهميشا.